الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وفي كتاب ابن خالويه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: وهيء لنا ويهي لكم لا يهمز انتهى.فاحتمل أن يكون أبدل الهمزة ياءً، واحتمل أن يكون حذفها فالأول إبدال قياسي، والثاني مختلف فيه ينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر أو المضارع إذا كان مجزومًا.وقرأ أبو رجاء: رشد بضم الراء وإسكان الشين.وقرأ الجمهور: {رشدًا} بفتحهما.قال ابن عطية: وهي أرجح لشبهها بفواصل الآيات قبل وبعد، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظه تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتها، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه هذه الآية فإنها كافية، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة انتهى.{فضربنا على آذانهم} استعارة بديعة للإنامة المستثقلة التي لا يكاد يسمع معها، وعبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم ومنه {ضربت عليهم الذلة} وضرب الجزية وضرب البعث.وقال الفرزدق:
وقال الأسود بن يعفر: وقال آخر: استعير للزوم هذه الأوصاف لهذا الممدوح، وذكر الجارحة التي هي الآذان إذ هي يكون منها السمع لأنه لا يستحكم نوم إلاّ مع تعطل السمع.وفي الحديث: «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه» أي استثقل نومه جدًا حتى لا يقوم بالليل.ومفعول ضربنا محذوف أي حجابًا من أن يسمع كما يقال بني على امرأته يريدون بني عليها القبة.وانتصب {سنين} على الظرف والعامل فيه {فضربنا}، و{عددًا} مصدر وصف به أو منتصب بفعل مضمر أي بعد {عددًا} وبمعنى اسم المفعول كالقبض والنفض، ووصف به {سنين} أي {سنين} معدودة.والظاهر في قوله: {عددًا} الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج أن يعد إلاّ ما كثر لا ما قل.وقال الزمخشري: ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير قليل عنده كقوله: {لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار} انتهى وهذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار، فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر: {ثم بعثناهم} أي أيقظناهم من نومهم، والبعث التحريك عن سكون إما في الشخص وإما عن الأمر المبعوث فيه، وإن كان المبعوث فيه متحركًا و{لنعلم} أي لنظر لهم ما علمناه من أمرهم، وتقدم الكلام في نظير هذا في قوله: {لنعلم من يتبع الرسول} وفي التحرير وقرأ الجمهور: {لنعلم} بالنون، وقرأ الزهري بالياء وفي كتاب ابن خالوية ليعلم {أي الحزبين} حكاه الأخفش.وفي الكشاف وقرئ: {ليعلم} وهو معلق عنه لأن ارتفاعه بالإبتداء لا بإسناد يعلم إليه، وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أنه مفعول يعلم انتهى.فأما قراءة لنعلم فيظهر أن ذلك التفات خرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، فيكون معناها ومعنى {لنعلم} بالنون سواء، وأما ليعلم فيظهر أن المفعول الأول محذوف لدلالة المعنى عليه، والتقدير ليعلم الله الناس {أي الحزبين}.والجملة من الابتداء والخبر في موضع مفعولي يعلم الثاني والثالث، وليعلم معلق.وأما ما في الكشاف فلا يجوز ما ذكر على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لا يسمى فاعله وهو قائم مقام الفاعل، فكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم مقام ما ناب عنه.وللكوفيين مذهبان:أحدهما: أنه يجوز الإسناد إلى الجملة اللفظية مطلقًا.والثاني: أنه لا يجوز إلاّ إن كان مما يصح تعليقه.والظاهر أن الحزبين هما منهم لقوله تعالى: {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم} الآية.وكأن الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم علموا أن لبثهم تطاول، ويدل على ذلك أنه تعالى بدأ بقصتهم أولًا مختصرة من قوله: {أم حسبت} إلى قوله: {أمدًا} ثم قصها تعالى مطولة مسهبة من قوله: {نحن نقص}- إلى قوله- {قل الله أعلم بما لبثوا}.وقال ابن عطية: والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم {الفتية} أي ظنوا لبثهم قليلًا، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين انتهى.وقالت فرقة: هما حزبان كافران اختلفا في مدة أهل الكهف.قال السدّي من اليهود والنصارى الذين علموا قريشًا السؤال عن أهل الكهف، وعن الخضر وعن الروح وكانوا قد اختلفوا في مدة إقامة أهل الكهف في الكهف.وقال مجاهد: قوم أهل الكهف كان منهم مؤمنون وكافرون واختلفوا في مدة إقامتهم.وقيل: حزبان من المؤمنين في زمن {أصحاب الكهف} اختلفوا في مدة لبثهم قاله الفراء.وقال ابن عباس الملوك الذين تداولوا ملك المدينة حزب وأهل الكهف حزب.وقال ابن بحر: الحزبان الله والخلق كقوله: {أأنتم أعلم أم الله} وهذه كلها أقوال مضطربة.وقال ابن قتادة: لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمن ولا لكافر بدليل قوله: {الله أعلم بما لبثوا}.وقال مقاتل: كما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث.و{أحصى} جوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون فعلًا ماضيًا، وما مصدرية و{أمدًا} مفعول به، وأن يكون أفعل تفضيل و{أمدًا} تمييز.واختار الزجّاج والتبريزي أن يكون أفعل للتفضيل واختار الفارسي والزمخشري وابن عطية أن تكون فعلًا ماضيًا، ورجحوا هذا بأن {أحصى} إذا كان للمبالغة كان بناء من غير الثلاثي، وعندهم أن ما أعطاه وما أولاه للمعروف وأعدى من الجرب شاذ لا يقاس.ويقول أبو إسحاق: إنه قد كثر من الرباعي فيجوز، وخلط ابن عطية فأورد فيما بني من الرباعي ما أعطاه للمال وآتاه للخير وهي أسود من القار وماؤه أبيض من اللبن.وفهو لما سواها أضيع.قال: وهذه كلها أفعل من الرباعي انتهى.وأسود وأبيض ليس بناؤهما من الرباعي.وفي بناء أفعل للتعجب وللتفضيل ثلاثة مذاهب يبنى منه مطلقًا وهو ظاهر كلام سيبويه، وقد جاءت منه ألفاظ ولا يبنى منه مطلقًا وما ورد حمل على الشذود والتفصيل بين أن تكون الهمزة للنقل.فلا يجوز، أو لغير النقل كأشكل الأمر وأظلم الليل فيجوز أن تقول ما أشكل هذه المسألة، وما أظلم هذا الليل. وهذا اختيار ابن عصفور من أصحابنا.ودلائل هذه المذاهب مذكورة في كتب النحو، وإذا قلنا بأن {أحصى} اسم للتفضيل جاز أن يكون {أي الحزبين} موصولًا مبنيًا على مذهب سيبويه لوجود شرط جواز البناء فيه، وهو كون {أي} مضافة حذف صدر صلتها، والتقدير ليعلم الفريق الذي هو {أحصى} {لما لبثوا أمدًا} من الذين لم يحصوا، وإذا كان فعلًا ماضيًا امتنع ذلك لأنه إذ ذاك لم يحذف صدر صلتها لوقوع الفعل صلة بنفسه على تقدير جعل {أي} موصولة فلا يجوز بناؤها لأنه فات تمام شرطها، وهو أن يكون حذف صدر صلتها.وقال: فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس، ونحو أعدى من الجرب، وأفلس من ابن المذلق شاذ، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع فكيف به، ولأن {أمدًا} لا يخلو إما أن ينصب بأفعل فأفعل لا يعمل، وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أني أنصبه بإضمار فعل يدل عليه {أحصى} كما أضمر في قوله: على يضرب القوانس فقد أبعدت المتناول وهو قريب حيث أبيت أن يكون {أحصى} فعلًا ثم رجعت مضطرًا إلى تقديره وإضماره انتهى.أما دعواه الشذوذ فهو مذهب أبي عليّ، وقد ذكرنا أن ظاهر مذهب سيبويه جواز بنائه من أفعل مطلقًا وأنه مذهب أبي إسحاق وأن التفصيل اختيار ابن عصفور وقول غيره.والهمزة في {أحصى} ليست للنقل.وأما قوله فافعل لا يعمل ليس بصحيح فإنه يعمل في التمييز، و{أمدًا} تمييز وهكذا أعربه من زعم أن {أحصى} أفعل للتفضيل، كما تقول: زيدًا أقطع الناس سيفًا، وزيد أقطع للهام سيفًا، ولم يعربه مفعولًا به.وأما قوله: وإما أن ينصب بلبثوا فلا يسد عليه المعنى أي لا يكون سديدًا فقد ذهب الطبري إلى نصب {أمدًا} بلبثوا.قال ابن عطية: وهذا غير متجه انتهى.وقد يتجه ذلك أن الأمد هو الغاية ويكون عبارة عن المدة من حيث أن للمدة غاية في أمد المدة على الحقيقة، وما بمعنى الذي و{أمدًا} منتصب على إسقاط الحرف، وتقديره لما {لبثوا} من أمد أي مدة، ويصير من أمد تفسيرًا لما أنهم في لفظ {ما لبثوا} كقوله: {ما ننسخ من آية} {ما يفتح الله للناس من رحمة} ولما سقط الحرف وصل إليه الفعل.وأما قوله: فإن زعمت إلى آخره فيقول: لا يحتاج إلى هذا الزعم لأنه لقائل ذلك أن يسلك مذهب الكوفيين في أن أفعل التفضيل ينتصب المفعول به، فالقوانس عندهم منصوب بأضرب نصب المفعول به، وإنما تأويله بضرب القوانس قول البصريين، ولذلك ذهب بعض النحويين إلى أن قوله: {أعلم من يضل} من منصوبة بأعلم نصب المفعول به، ولو كثر وجود مثل: لكنا نقيسه ويكون معناه صحيحًا لأن أفعل التفضيل مضمن معنى المصدر فيعمل بذلك التضمين، ألا ترى أن المعنى يزيد ضربنا بالسيوف القوانسا على ضرب غيرنا. اهـ. .قال أبو السعود: {أَمْ حَسِبْتَ}.الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمرادُ إنكارُ حُسبانِ أمّته، وأم منقطعةٌ مقدّرة ببل التي هي للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال، وبهمزة الاستئنافِ عند الجمهور وببل وحدها عند غيرِهم أي بل أحسبت {أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم كَانُواْ} في بقائهم على الحياة مدةً طويلةً من الدهر {مِنْ ءاياتنا} من بين آياتِنا التي من جملتها ما ذكرناه مِنْ جعْل ما على الأرض زينةً لها للحكمة المشارِ إليها ثم جعلِ ذلك كلِّه صعيدًا جرُزًا كأن لم تغْنَ بالأمس {عَجَبًا} أي آيةً ذاتَ عجَبٍ وضْعًا له موضعَ المضاف أو وصفًا لذلك بالمصدر مبالغةً، وهو خبرٌ لكانوا ومن آياتنا حالٌ منه، والمعنى أن قصّتَهم وإن كانت خارقةً للعادات ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآياتِ التي من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هي عندها كالنزْر الحقير، والكهفُ الغارُ الواسعُ في الجبل والرقيمُ كلبُهم، قال أمية بن أبي الصَّلت:وقيل: هو لوحٌ رصاصيٌّ أو حجَري رُقمت فيه أسماؤُهم وجُعل على باب الكهفِ، وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهفُ فهو من رَقْمة الوادي أي جانبِه، وقيل: الجبلُ، وقيل: قريتُهم، وقيل: مكانُهم بين غضبانَ وأيْلةَ دون فلسطين، وقيل: أصحابُ الرقيم آخرون وكانوا ثلاثةً انطبق عليهم الغارُ فنجَوْا بذكر كلَ منهم أحسنَ عمله على ما فُضِّل في الصحيحين.{إِذْ أَوَى} ظرفٌ لعجبًا لا لحسِبتَ أو مفعولٌ لاذكرُ أي حين التجأ {الفتية} أي أصحابُ الكهف، أوثر الإظهارُ على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوةِ فإنهم كانوا فتيةً من أشراف الرومِ أرادهم دقيانوسُ على الشرك فهربوا منه بدينهم ولأن صاحبيّةَ الكهف من فروع التجائِهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارُها معهم قبل بيانه {إِلَى الكهف} بجلبهم للجلوس واتخذوه مأوى {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ} من خزائن رحمتِك الخاصةِ المكنونةِ عن عيون أهلِ العادات، فمن ابتدائيةٌ متعلقةٌ بآتنا أو بمحذوف وقع حالًا من مفعوله الثاني قُدّمت عليه لكونه نكرةً، ولو تأخّرت لكانت صفةً له أي آتنا كائنةً من لدنك {رَحْمَةً} خاصةً تستوجب المغفرةَ والرزقَ والأمنَ من الأعداء {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} الذي نحن عليه من مهاجَرة الكفارِ والمثابرة على طاعتك، وأصلُ التهيئةِ إحداثُ هيئةِ الشيء، أي أصلحْ ورتِّب وأتممْ لنا من أمرنا {رَشَدًا} إصابةً للطريق الموصلِ إلى المطلوب واهتداءً إليه، وكِلا الجارّين متعلقٌ بهيِّئْ لاختلافهما في المعنى، وتقديمُ المجرورَين على المعفول الصريحِ لإظهار الاعتناءِ بهما وإبرازِ الرغبةِ في المؤخر بتقديم أحوالِه فإن تأخيرَ ما حقُّه التقديمُ عما هو من أحواله المرغّبة فيه كما يورث شوقَ السامعِ إلى وروده ينبئ عن كمال رغبةِ المتكلّم واعتنائِه بحصوله لا محالة، وكذا الكلامُ في تقديم قوله تعالى: {مِن لَّدُنْكَ} على تقدير تعلّقِه بآتنا، وتقديمُ لنا على من أمرنا للإيذان من أول الأمرِ بكون المسؤول مرغوبًا فيه لديهم، أو اجعل أمرَنا راشدًا كلَّه على أن من تجريديةٌ مثلُها في قولك: رأيتُ منك أسدًا.
|